طلّاب الجامعة اللبنانية في المناطق النائية، ما زالو يعانون

يمضى محمد نصف يومه متنقلاً من الضنية إلى بيروت، لتحصيل علمه في الجامعة اللبنانية في بيروت، وهو كغيره من الطلاب الذي يُعانون من بُعد المسافة بين الجامعة والسّكن مشيراً أن قدرته المادية لا تسمح له بالسكن إلا في السكن الجامعي وهو خيار غير متاح له لأن اختصاصه أدبيّ. عبدلله العلي ابن عكار، تخرج هذا العام بشهادة الإجازة في الإعلام، يقول أنه رغم رغبته الشديدة بإكمال تحصيله العلمي بالدراسات العليا (الماستير)، إلا أن قدرة والديه لا تسمح بذلك، “سأؤجّل هذه الخطوة لحين حصولي على وظيفة أُجني منها مالًا يساعدني على إكمال تحصيلي العلمي”.
تقول الطالبة جنى عجرم، ابنة النبطية، إن بُعد المسافة والتنقل اليومي لساعات طويلة يقلّل من إنتاجيتها ويؤثر على تركيزها، ما يصعّب عليها التميّز ونَيل الدرجات العالية، الأمر الذي يُحزنها، حيث عبّرت عن رغبتها بإعطاء المزيد من الطاقة والجهد، لكن المسافة التي تقطعها يوميًا للوصول إلى الجامعة تُنهكها، خاصة مع ظروف العائلة التي لا تسمح لها بالانتقال للسّكن الجامعي، مشيرة إلى معاناتها في صعوبة تحصيل علامات الحضور للسبب ذاته.
وإذا تحدّثنا عن معاناة الطلاب في المناطق النائية، فهم يعانون من عدم وجود جامعة لبنانية أصلًا في مدنهم، ما يبرر نسبة تدني حاملي الشهادات الجامعية فيها، حيث تقول كوثر، ابنة مدينة الهرمل البقاعيّة، إنّ أقرب جامعة لبنانية تقع في زحلة، ما يعادل رحلة الثلاث ساعات يوميّاً، والتي تُكلّف 40 إلى 50 دولارًا شهريًّا، “هذا إن وجدنا الاختصاص الذي نرغب به”، فبسبب الأوضاع المعيشية، يلجأ طلاب المنطقة إما للخيار المهني لأنه قريب وأقلّ كلفة، أو للاختيار من الاختصاصات المتاحة في فرع زحلة، في حين أن حجر الأساس الذي وُضع منذ سنوات في مدينة الهرمل على نية إعمار الجامعة، أصبح اليوم تحفة فنيّة يمرّ عليها الطّلاب الطموحون المنتظرون توفّر الفرص لتحصيل حقهم بالدراسة الجامعيّة.
بينما تحدثنا فاطمة، ابنة الضيعة نفسها، عن انتقالها إلى مدينة بيروت لتدرس اختصاصها الذي تُحب، وهو الإعلام، وعن الكلفة الشهرية تقول: ما بين نقل يومي وزيارة أسبوعية لأهلي في الهرمل مع السّكن، يتكلف أهلي شهريًا 250 إلى 300 دولار شهريًا، دون الحديث عن طعام ومأكل وطباعة أوراق وتفاصيل أخرى، تُشكّل هذه الكلفة عبئًا كبيرًا على الأهل الذين يلجؤون للعمل الإضافيّ لتعليم أولادهم.
ما بين معاناة وأخرى، يقف الطالب اللبناني منتظرًا المعنيين في طابور طويل ليُخبرهم عن معاناته، وليطلب منهم أبسط حقوقه، وهي التّحصيل الجامعيّ الذي يهدف منه إصلاح وإعمار بلاده.
شهادات طلاب: عبدلله العلي وجنى عجرم
عندما يَذكر الطالب أمام أي مؤسسة أنه خرّيج الجامعة اللبنانية، يُلاحظ كيف تتجه الأنظار والاهتمام إليه، ليس فقط بسبب قيمة الجامعة ومستواها وكفاءة المحاضرين فيها، بل لأن الجامعة اللبنانية بما ينقصها، وبكل صعوباتها، تثقل الطالب بمهارات المرونة والتكيّف والقدرة على التّحمل،وتدفعه لإخراج طاقاته الدفينة ولمحاربة جميع الظروف.
لكن الجامعة التي تستقطب طلابًا من كافة المناطق اللبنانية، تضم خمس فروع فقط متوزعة في الشّمال، الجَّنوب، البقاع، جونية وبيروت، لا تتضمن إلا ثلاث مجمّعات، والتي لا يوجد فيها إلا مجمّع سكنيّ واحد في الحدث. وهذه مشكلة حقيقية يعاني منها الطلاب القادمين من مناطق بعيدة.
السكن الجامعي الذي يُعدّ العون لطلاب الجامعة اللبنانية، غير متاح لجميعهم ، وهو الذي يضمّ حوالي ال1600 طالب، لكن لاختيار الطلاب المنتسبين شروط ومعايير، منها معدّل الطالب، مكان سكنه واختصاصه، حيث تُعطى الأولوية لطلاب الاختصاصات التي تحتاج لمواد تطبيقية كالهندسة والطبّ بكل فروعها، مع شرط عدم الإقامة لعدد سنوات يفوق سنوات الدراسة الثلاث أو الأربع، بينما كليّة الآداب والعلوم الإنسانية لا تُعطى لهُم الأولوية، ما يشّكل عائق حقيقي أمام طلاب هذه الاختصاصات بالبحث عن سكن يلبّي متطلباتهم وبسعر يسير.
بماذا يَعِد رئيس الجّامعة اللبنانيّة
ففي حديث مع رئيس الجامعة اللبنانية، البروفيسور بسّام بدران، حول السّكن الجامعي، يشير إلى المجمّعات الثلاث التي لا يوجد فيها إلا سكن واحد في الحدث، مشيراً لكونها مشكلة حقيقية يعاني منها طلّاب الجامعة اللبنانية اليوم. أضاف أن الجامعة اللبنانية بدأت بوضع خطط لمجمعات جديدة في عكار وزحلة والبقاع، لكن المشروع يحتاج لدعم مادي كبير، واعدًا أنه خلال عامي 2025 و2026 سيبدأ العمل على تأسيس هذه المجمعات، في إجابة لا تعني سوى المزيد من الوقت، والمزيد من المعاناة على طلّاب الجامعة اللبنانيّة، الذين يسعون لتحصيل أبسط حقوقهم، في ظل تقاعس الدولة وتأرجح المسؤوليات، ووضع الملفات في جوارير النسيان، التي تستفيق عند أول زيارة خارجية، أو عند أول دعم مالي يتلقاه المعنيون ليقيموا بها اللقاءات، ويرسمون الخطط، على أمل ألّا يُعيدوها إلى الأدراج المقفلة.. بينما الطالب بنتظر الخبر اليقين ببدأ العمل الفعليّ على تنفيذ هذه المشاريع.
ملاك اسكندر