تَك تِكمتفرقات

غرف الأخبار اللبنانية على خط الذكاء الاصطناعي: استكشاف الحذر والانفتاح

تحقيق بقلم: حسين عبدالله

في زمن يشهد فيه الإعلام تحولات متسارعة بفعل الذكاء الاصطناعي، تفتح غرف الأخبار في لبنان نوافذها بحذر. بعضها يتلمّس الطريق بحذر تقني، وبعضها يشرّع الأبواب لاستخدامات انتقائية ومحدودة، فيما تظلّ مخاوف فقدان المصداقية وتهديد الوظائف قائمة في الكواليس.
بين “الجديد”، “LBCI”، و”NBN“، تتنوّع الإجابات والرؤى. لكن القاسم المشترك: لا عودة إلى الوراء.

الذكاء الاصطناعي حاضر… ولكن على استحياء

في مقابلات معمّقة أجريتها مع ممثلين عن قنوات تلفزيونية لبنانية، اتّضح أن أدوات الذكاء الاصطناعي بدأت تتسلّل إلى بعض تفاصيل العمل الصحافي، دون أن تحلّ محل الإنسان حتى الآن.
في قناة “الجديد”، يُستخدم الذكاء الاصطناعي أساسًا في الترجمة وتحسين نوعية الصور. مسؤول في غرفة الأخبار أوضح:
“نستخدم نظامًا خاصًا للترجمة، مع إعادة تدقيق شاملة لضمان الدقة. كما نلجأ للذكاء الاصطناعي لتحسين الصور أو البحث عن فيديوهات بديلة، دون المسّ بجوهر النصوص التي يجب أن تكون من إنتاج المحرر”.

أما في “LBCI”، فالذكاء الاصطناعي يستخدم بحذر. “نعم، نستخدم ChatGPT للترجمة الأولية أو لتكوين فكرة أولية عن بعض المواضيع، لكن لا نعتمد عليه قطعيًا دون تدقيق دقيق ومتكرر”، وفق تصريح أحد الصحافيين.

وأضاف: “المونتاج، التفريغ الصوتي، وتحليل البيانات غير مستخدمة لدينا حتى الآن، لاعتبارات تتعلّق بالدقة والمهنية”.
في المقابل، “NBN” تتّخذ موقفًا أكثر تحفظًا على المستوى المؤسسي. “سياسة القناة لا تسمح باستخدام أدوات AI داخل غرفة الأخبار”، بحسب ما ورد في المقابلة المصوّرة. ومع ذلك، يقر بعض المراسلين باستخدام أدوات مثل ChatGPT أو Adobe AI Tool في إطار شخصي لمساعدتهم في مهامهم اليومية.

 

 

 

ما الذي يفعله الذكاء الاصطناعي فعلًا في غرف الأخبار؟

 

أبرز الفوائد التي لمسها الصحافيون في القنوات الثلاث تمثّلت في تسريع الإنتاج وتحسين جودة بعض العناصر البصرية.
ففي “الجديد”، تُستخدم أدوات AI في الترجمة السريعة والبحث عن صور بديلة، وتُعدّ مكملة وليست بديلة للعامل البشري.
أما في “LBCI”، فالفوائد تمثّلت خصوصًا في تسريع الترجمة الطويلة والوصول إلى معلومات أولية بسرعة.
لكن هناك إجماعًا على أن تحسين الجودة الصحافية الحقيقية لا يتم عبر الذكاء الاصطناعي، بل عبر التحرير البشري، والتحقّق، والتدقيق.

 

المخاوف: التزييف، فقدان الوظائف، وانهيار الثقة

حين يُطرح سؤال عن المخاطر، ترتفع النبرة.
“نحن نخشى من دقة المعلومات الزائفة ومن الصور المعدّلة التي قد يتم التلاعب بها”، يؤكد صحافي من “LBCI”، مضيفًا: “قد يفقد البعض وظائفهم لاحقًا، لكن النسبة لا تزال محدودة، ولا نتوقع تغييرًا جذريًا في القريب”.
من جهة “الجديد”، المخاوف أكثر مهنية: “الاعتماد على أدوات AI يتم دائمًا عبر التدقيق المزدوج، ولا يُسمح بنشر أي مادة دون التأكد من مصدرها أو صحتها، فالمصداقية خط أحمر”، كما قال المصدر.
أما “NBN”، فترفض إدخال هذه الأدوات أصلاً إلى صلب غرفة الأخبار، حفاظًا على التوازن المهني بين السرعة والدقة.

 

الأخلاقيات والحوكمة: من يضبط الإيقاع؟

أجابت القنوات الثلاث على هذا السؤال من زاوية الحوكمة الداخلية.
في “الجديد”، هناك نظام رقابي داخلي من رؤساء الأقسام ورؤساء التحرير لضمان التزام المعايير الأخلاقية.
في “LBCI”، الأخلاقيات ترتبط بـ”ضمير الموظف” ومراقبة الإدارة، مع التزام ثابت بسياسات عدم التضليل.

اما في “NBN” استخدام الذكاء الاصطناعي هو في افق مفتوح لكنه مجهول، واضافت: نحن ذاهبون بإتجاه مجهول لكن يراودنا القلق والخوف.

 

التدريب والمستقبل: بين الجيل الشاب والتحوّل القادم

 

جميع القنوات أجرت تدريبات – ولو محدودة – على أدوات الذكاء الاصطناعي، أو بدأت بإدخالها في أنشطة الأقسام الفنية.
“الجديد” ذكرت وجود دورات متخصصة لتحسين الإخراج الفني، و”‏LBCI” أجرت ورشتين داخليتين، وأشارت إلى أن الجيل الجديد أكثر تمرسًا من سابقيه.
لكن هل سنشهد قريبًا مذيعين افتراضيين في لبنان؟
“لا أعتقد أن هذا النموذج سيُعتمد في القريب العاجل”، أجابت “الجديد”، مضيفة أن “المتابع اللبناني ما زال يثق بالإنسان، لا بالصورة المُصممة”.

 

هل الذكاء الاصطناعي فرصة أم تهديد لغرف الأخبار اللبنانية؟

في قراءة معمّقة للإجابات التي جمعتها، يتّضح أن الذكاء الاصطناعي في الإعلام اللبناني يتّخذ شكل “مُكمل خاضع للرقابة”، لا “بديل شامل”.
الإعلاميون يدركون أن سرعة الأداء مسألة ضرورية، لكنهم يرفضون التفريط بالمهنية أو المصداقية. وهنا تظهر أزمة “الثقة بالآلة”، التي تحتاج إلى إعادة صياغة سياسات التحرير والتدقيق داخل غرف الأخبار.
الفرصة هنا لا تكمُن في الاستغناء عن الإنسان، بل في تأهيله لمرافقة هذه الأدوات بذكاء مضاد.
التهديد، بالمقابل، يكمُن في الاستخدام غير الواعي أو غير المدروس لهذه الأدوات، سواء في الترجمة أو صناعة المحتوى، ما قد يؤدي إلى فقدان الدقة، أو حتى نشر صور مفبركة دون علم الصحافي ؟

ما الذي يمكن أن تفعله غرف الأخبار الآن؟

 

* تأسيس وحدات متخصصة بالتحقّق من إنتاج AI داخل كل قناة.
* إدراج مادة “الذكاء الاصطناعي الأخلاقي” ضمن تدريبات الصحافيين.
* إصدار دليل داخلي لاستخدام أدوات AI في غرف الأخبار.
* إنشاء شراكات مع مطوري أدوات AI لضمان نسخ مخصصة للاستخدام المهني.

 

الخلاصة غرف الأخبار اللبنانية في طور التعلّم، وأمامها خياران: أن تستثمر في أدوات الذكاء الاصطناعي بذكاء ومهنية، أو أن تتأخر عن ركب التطوّر فتُستبدل من الخارج.
الذكاء الاصطناعي لا يُلغي دور الصحافي… بل يعيد تعريفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى