نوادي القراءة في لبنان: بين الشّغف والصّعوبات

نوادي القراءة في لبنان: بين الشّغف والصّعوبات
يعود تاريخ نوادي القراءة في لبنان، حسب بحث أجرته ، الدكتورة مود اسطفان المتخصصة في علوم المعلومات والمكتبات ورئيسة مشروع “جمعيّة السبيل” بعنوان “المؤانسة والتواصل الاجتماعي حول الكتب”، إلى سنة 1998، فنوادي القراءة في وطننا ليست ظاهرة جديدة، لكنها اليوم تأخذ شكلاً متجدداً يتناسب مع التّحولات التي يشهدها المجتمع.
اختلفت الأنواع والأشكال والدّوافع لاطلاق نوادي القراءة، لكن المبادرة كانت العنصر المشترك بين جميع النّوادي، فلكلٍّ قصّته في التّأسيس، التي يعود بعضها للشّعور بالحاجة الفردية لهذا النّوع من الّنشاطات، أو لشعور المؤسّس بالحاجة لتطوير المجتمع وتثقيفه، الذي لا يتم إلّا من خلال القراءة ومشاركة الأفكار، وهو ما أشارت إليه مؤسِسة نادي “حِراء، أم الكتاب” الدكتورة بتول زين الدين، مضيفة أنّنا اليوم أمام جبهتين الاولى تعمل على توقيف العقل من خلال عرض المواد لفارغة والثانية تعمل على تفعيله من خلال هذه النشاطات واللقاءات الحوارية التي تعمل على إثراء فكر الجيل الشاب.
الدكتورة بتول زين الدين- مؤسسة نادي “حِراء- أمُّ الكتاب”
تتنوع النّوادي بين مغلقة تقوم على مشاركة الأعضاء المنتسبين إليها فقط، كنادي الكتاب اللبناني ونادي القراءة، وبين مفتوحة لجميع الراغبين كنادي اللقاء الثقافي في بعلبك، ونادي حِراء، حلبي بوك، نادي السّبيل، بوكوهوليس، ونادي “تعا نقرا ساعة” وغيرها..
الدكتورة مود اسطفان، تقول أنّ قصّة نادي السّبيل بدأت بفكرةٍ طرحتها إحدى المنتسبات للنادي، بإقامة جلسات نقاشية مع رواد المكتبة، ثم تطوّرت لتصبح جلسات مناقشة كتب مفتوحة للراغبين، إضافة إلى المكتبة المتنقلة التي تتوجه إلى مختلف المناطق اللبنانية، خاصة القرى التي لا تتوفر فيها مكتبات عامة، على دورتين. في المرة الأولى، تُعرض فعالية ثقافية، ثم يدخل المشاركون ليختاروا كتابًا يقرؤونه، لتعود المكتبة المتنقلة بعد أسبوعين، لمناقشة الكتاب وإعادتها، لتنتقل بعدها إلى منطقة أخرى. تضيف اسطفان إنّ نشاط المكتبة يعتمد على الدّعم المالي الذي يتلقاه وهو غالباً ما يكون من جمعيات خارجية الداعمة للثقافة اللبنانية والتي كان آخرها من ألمانيا، لأن هذا التّحرك يحتاج إلى تمويل لتفعيله، مؤكّدةً أهميّة هذا النّوع من النّشاطات ومدى تأثيره على المجتمع، خاصة على طلاب المدارس، حيث تكون معظم زيارات المكتبة المتنقلة للمدارس الرسمية أو لساحة القرية.
أحمد الشيبان، صاحب نادي اللقاء الثقافي في بعلبك، يتحدّث عن النّّادي الذي تأسّس عام 2020، مشيراً أن الفكرة انطلقت في البداية على يدِ شخصين، قرَّرا جمع الأصدقاء والمهتمّين بالقراءة ليتشاركوا الأفكار حول الكتب، بعيداً عن المواضيع التي قد تكون مستفزّة للآخرين، على أن يتم اللقاء في منزل أحد الأصدقاء أو في مكان عام. الأمر نفسه أشارت إليه عُلا خير الدين، صاحبة مبادرة “تعا نقرا ساعة”، إذ قالت: “بدأت بجلسة منزلية مع صديقاتي نتناقش فيها عن الكتب”. ثم توسعت لتتحول إلى نادٍ شهري للقراءة والتّلخيص، تستضيف خلاله صاحب الكتاب المقترح لمناقشته، مشيرة أن الجلسة تُقام في مكتبة عامة لجميع الراغبين.
يضيف أحمد أن النّشاطات توسّعت لتشمل حلقات نقاش حول الأفلام، الأعمال الفنيّة أو مواضيع اجتماعية وثقافية وعلمية منوّعة، بينما بقي نادي “تعا نقرا ساعة” قائماً على قراءة وتلخيص الكتب، فالمناقشة، مع تقديم جوائز لأفضل تلخيص.
عُلا خير الدين- ناشطة على مواقع التواصل وصاحبة مبادرة ” تعا نقرا ساعة”
نوادٍ من نوع آخر
يظهر نادي الكتاب اللبناني كنموذج آخر، تأسّس عام 2020 بمبادرة فردية من مجموعة أشخاص، على رأسهم د. سلام سليم سعد وفيليب الحاج، يستهدف جميع الفئات العمرية. من نشاطاته: قراءة رواية كل شهر مع أمسية. تقول ميشلين مبارك، الكاتبة و العضو الدائم في النادي، إنّه يقوم على قراءة كل مشارك كتابًا من اختياره، وخلال الأمسية يتحدث الحاضرون عنه. إضافة لاجتماعات تكريمية، أبرزها أمسية سعيد عقل وفريال كريم التي حضرتها ابنتها، وأمسية ميخائيل نعيمة، مع تواقيع كتب. كما يستضيف النّادي كُتّابًا مباشرة عبر “زوم”، أبرزهم جبور الدويهي في رواية “ملك الهند”، ومنهم أيضاً فتحية دبش (مغربية) وعائشة بنور (كاتبة جزائرية).
انبثق عن نادي الكتاب اللبناني أفرع عدّة، منها فرع نادي الكتاب بالشوف بإدارة “نازك مروان عابد”، وآخر في البقاع الغربي بإدارة “سارة أحمد”، التي تعبر عنه سارة بأنه الامتداد القيّم بين المدينة القرى، يقوم فرع البقاع الغربي بنشاطات مختلفة تتناسب مع حاجاته ورغبات المشتركين من أهالي المنطقة، حيث تُنظَّم رحلات ثقافية إلى متاحف مختلفة، إضافة إلى جلسات قراءة ومناقشة شهريّة.
“نادي القراءة”، الذي أسّسه الإعلامي حيدر عطوي عبر حسابه على فيسبوك خلال فترة الحجر الصحي في عام 2021، يقتصر على جلسات أعضائه فقط. تقول زينب طالب، العضو الدائم فيه، إنّ الفكرة لاقت إقبالاً جيداً، رغم أن عدد المنتسبين يزيد ولكنهم لا يستمرون طويلاً. تضيف: “نحن اليوم مجموعة مكوّنة من تسعة أشخاص فقط، اجتمعنا من خلفيات وعوالم مختلفة حول حبّ المعرفة والكتاب”.
زينب طالب- صحافية وناشطة إعلامية وعضو دائم في نادي الكتاب.
مشاكل النوادي
هدى مرمر، صاحبة مبادرة “بوكوهوليس”، التي تأسست عام 2012، تقول إنها أطلقت المبادرة في جامعتها عندما كانت طالبة، لكنها لم تجد إقبالاً وتشجيع، فعادت وطرحتها على مواقع التواصل، حيث لاقت تفاعلاً وبدأ النادي بالتوسّع تدريجياً.
تقول إنّ النادي واجه العديد من الصعوبات، بدءاً من اختيار الكتاب، نوعه، وموافقة القراء عليه، خاصة أن لكلٍّ ذوقه في القراءة، مشيرة إلى أنها تجاوزت هذه المشكلة من خلال التصويت أو تخصيص كل شهر لنوع مختلف من الكتب.
يشّكل مكان اللقاء مشكلة عند أغلبيّة النوادي ” لم نجد بداية مكان يجمعنا، خاصة أن الجلسة تحتاج لمكان هادئ”، أضاف أحمد” النوادي تحتاج لأجواء تتناسب مع جوّ الحوار”.
مشيرة أنّ ضغوط الحياة اليومية في بلدنا تُصعّب استمرارية النّادي، بسبب ثقافة المجتمع، حيث نجد عددًا قليلاً من المنتسبين يضعون الالتزام بالنادي أولوية. ما أشارت إليه أيضاً زينب طالب بأن المنتسبين لا يستمرون، حيث يقوم ناديهم على قراءة كتاب كل أسبوعين، ويعود السبب إما لطلاب كانوا منتسبين ثم التحقوا بوظائف، أو لأمهات لديهن مسؤوليات، أو لصعوبة تنسيق وقت يناسب الجميع، لافتة إلى أن التزام النساء يفوق التزام الرجال سواء بالانتساب أو المشاركة في القراءة والنقاش.
تختلف معاناة النادي المركزي في المدينة عن فرعه في القرى، تقول ميشلين إن النوادي ينقصها الطريقة التفاعلية بين الكتّاب، وتوسيع آفاق القراءة وأنواعها لمواكبة رغبات الجيل الجديد، الذي نلحظ أنه يذهب للقراءة الأجنبية، التي تعدّ ضعيفة وشبه معدومة في مجتمعنا. بينما تشير سارة أحمد لمعاناة مختلفة في القرى، منها بُعد المسافات بين القرى النائية وصعوبة المواصلات.
أما عن معاناة النوادي الأخرى، فتشير عُلا وهدى أن عدم توفّر النّسخة الرقميّة يصعّب ازدياد عدد القرّاء، لأن بعض الكتب يكون سعرها مرتفعًا بما يفوق قدرة المشتركين، فيلجؤون إلى القراءة الإلكترونية، إضافة لانتظار صدور التّرجمة، أو لعدم توفّر الكتاب في البلاد.
القراءة في ظلّ التكنولوجيا
يقوم العالم الافتراضي اليوم بتشجيع الجيل الجديد بطريقة غير مباشرة على القراءة والانتساب إلى النوادي، فنرى هذا الجيل يرغب في استعراض يومياته بأبهى حللها، فيشارك صور يظهر فيها كتاب مع كوب من القهوة، ما يجعل المتابعين متشوقين لمعرفة موضوع الكتاب، ويخلق نوعًا من حشرية المعرفة.
تضاربت الآراء حول تأثير استخدام التكنولوجيا على النوادي، الذي رأت به عُلا عاملاً يهدد بانقراض الكتب، طالبةً التمسك به، الأمر الذي أكدته ميشلين قائلة: “حُب القراءة لا يقف أمامه عائق، لكن لا شك أنه انخفض، وقد لاحظنا ذلك من خلال حضور الأمسيات وقراءات الكتب، إضافة إلى معرفتنا أن بعض الحاضرين لم يقرؤوا الكتاب لضيق الوقت”
بينما تشير الدكتورة مود إلى أن التكنولوجيا لن تجعل محبي القراءة يتخلون عن نهمهم للقراءة، تُشاطرها الرأي هدى، التي رأت فيه عاملاً مساعدًا من خلال الإعلانات التي يشاهدها القارئ، إضافة إلى وجود “الأوديو بوك” والبرامج الإلكترونية، ما جعل الجيل يشعر بأنه قريب من الكتاب، فلم تعد صورة الكتاب في ذهنه كما كانت، كتب الدراسة، بل أصبحت بأشكالها وأنواعها الجديدة عنصر جذَاب لهم.
القراءة ليست ترفًا، بل حاجة
تزداد الحاجة اليوم للقراءة والاطلاع المعمّق، لمعرفة لُبّ الأحداث وأصلها، فوجود عدد كبير من النّوادي، خاصة في القرى، يشجّع المجتمعات على القراءة، مما يساعدهم على الانفتاح على العالم الخارجي. كما يساعد الشباب على الإنخراط في بيئة اجتماعيّة مثقّفة،تساهم في تطوير شخصيتهم وانمائها وقد أكّد جميع المؤسّسين على أهميّة المبادرات الفردية لتأسيس هذه النوادي، فالقراءة ليست ترفاً بل حاجة.
https://www.instagram.com/maktabat_hiraa?igsh=djE0OXZyMnBnazN5
https://www.instagram.com/halabibookshop?igsh=YzFmbTlrNnRiYXkz
https://www.instagram.com/bookoholics.bookclub?igsh=MWx5OWt4bHJjNDRvbA=
https://www.instagram.com/ola.khiereddeen?igsh=YXg1aTFzdW04djFw
https://www.instagram.com/ahmad_shaiban?igsh=MTY4bnRoNWo0NHFqbw==
https://www.instagram.com/p/DKhR4tVCnGv/?igsh=MWdzaDZpbDN2aGN4Zw==
https://www.facebook.com/share/1CQSgub7p9/?mibextid=wwXIfr
https://www.facebook.com/share/15DEGBf99d/?mibextid=wwXIfr
https://atharportal.net/blog/97
ملاك اسكندر