قضايا منوّعة
حفلات الطلاق: بين استعادة الذات وكسر التقاليد

بقلم: جمال الرمح
في مشهد لم يكن مألوفًا قبل سنوات، بدأت حفلات الطلاق تفرض نفسها تدريجيًا على الساحة الاجتماعية، لتتحوّل مناسبة الانفصال الزوجي – التي ارتبطت طويلًا بالحزن والانكسار – إلى حدث احتفالي يُشارك فيه الأصدقاء، تُقطع خلاله الكعكات، وتُنشر صوره على وسائل التواصل الاجتماعي.
ظهرت هذه الظاهرة أولًا في بعض المجتمعات الغربية، لكنها سرعان ما بدأت تتسلل إلى مجتمعاتنا العربية، خاصةً بين النساء اللواتي يجدن في حفلة الطلاق وسيلة لإعلان التحرّر من علاقة كانت مرهقة نفسيًا أو عاطفيًا. فبدلًا من أن تنتهي القصة بالدموع، تختار بعض النساء ختامها بالضحك والموسيقى والرسائل الإيجابية.
وتتفاوت دوافع إقامة هذه الحفلات من شخص إلى آخر؛ فبينما يراها البعض احتفالًا ببداية جديدة وفرصة لإعادة بناء الذات، يعتبرها آخرون رسالة تحدٍ للمجتمع أو للشريك السابق، في حين تُقيمها بعض النساء كنوع من الدعم النفسي والتنفيس العاطفي، وربما كوسيلة رمزية لتعويض الذات عن الألم الذي صاحب تجربة الانفصال.
لكن، رغم هذا الانتشار النسبي، لا تزال الظاهرة تُثير الكثير من الجدل. فهناك من يعتبرها نوعًا من المبالغة في النزعة الفردانية، وتعدّيًا على الخصوصية، بل وحتى استفزازًا للقيم الاجتماعية السائدة. ويرى هؤلاء أن الطلاق، مهما كانت أسبابه، يظل تجربة إنسانية مؤلمة لا ينبغي تحويلها إلى احتفال أو مناسبة استعراضية.
في المقابل، يرى مؤيدو هذه الحفلات أنها تمثل تعبيرًا مشروعًا عن التحرر الشخصي، وتجسيدًا لقدرة الفرد – وبالأخص المرأة – على تجاوز الأزمة النفسية بإيجابية. ويشيرون إلى أن المجتمعات الحديثة أصبحت تتعامل مع الطلاق كقرار ناضج لا يستدعي الخجل أو الكتمان، بل قد يكون أحيانًا الخيار الأكثر نضجًا لحماية الصحة النفسية والاستقرار العائلي.
اللافت أن بعض الشركات بدأت تستثمر في هذا الاتجاه، حيث ظهرت خدمات متخصصة لتنظيم حفلات الطلاق، تشمل التصوير الاحترافي، والديكورات المخصصة، وتصاميم كعكات تحمل عبارات مثل: “أخيرًا حرة” أو “بداية جديدة”، الا أن هذه الممارسات التي تعتمدها الشركات اليوم هي بكل بساطة تسليع لهذه الظاهرة لأنهم يجنون مردود مادي كبير من خلالها.
ومع تزايد انتشار هذه الظاهرة، يبقى السؤال مطروحًا: هل نحن أمام تحوّل حقيقي في المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بالزواج والطلاق؟ أم أن حفلات الطلاق ستظل سلوكًا فرديًا محدود التأثير، يعبّر عن شريحة معينة دون أن يرقى إلى مستوى الظاهرة المجتمعية الشاملة؟
يبدو أن حفلات الطلاق لم تعد مجرد تقليعة عابرة أو رد فعل فردي، بل هي مؤشر على تغيّرات أعمق في البنية النفسية والاجتماعية، خاصةً في ظل تنامي الوعي بالحقوق الشخصية، وتصاعد الخطاب الداعم للحرية والاستقلال الفردي. ومع ذلك، تبقى هذه الظاهرة محاطة بجملة من الاعتبارات الثقافية والدينية التي تختلف من مجتمع إلى آخر، ما يفرض ضرورة قراءتها ضمن سياقاتها المحلية الخاصة. ولعل التحدي الأهم يكمن في إيجاد توازن دقيق بين احترام التجربة الفردية للطلاق، وبين الحفاظ على قيم التماسك الاجتماعي، بعيدًا عن التعميم أو الأحكام الجاهزة,
وهذه الحفلات بدأت تتحول إلى ظاهرة تُثير الجدل، وكأنها محاولة لتزيين لحظة مؤلمة. فالطلاق ليس دائمًا فشلًا، لكنه لا يستحق الاحتفال كما لو كان نصرًا. الاحترام بعد الانفصال أسمى من التصفيق على أنقاض علاقة انتهت.”