تَك تِكقضايا منوّعة

الذكاء الاصطناعي يدخل المدارس: تعليم أسرع أم تفكير بالانابة؟

الذكاء الاصطناعي يدخل المدارس: تعليم أسرع أم تفكير بالانابة؟

بين حماسة الأهل، وقلق المعلمين… مدارس لبنان توازن بين الفُرَص والمخاطر

في صفٍ مكتظّ بالطلاب، وبين أوراق الواجبات المدرسية المكررة، بدأ شيء جديد يتسرّب بهدوء إلى النظام التعليمي… الذكاء الاصطناعي. لم يعد هذا المفهوم مجرّد “تكنولوجيا متقدمة”، بل تحوّل إلى شريك خفي في عملية التعليم، حاضر في منازل الطلاب، وعلى شاشات هواتفهم، وأحيانًا حتى في دفاتر واجباتهم.

من خلال ثلاث وجهات نظر: مدير مدرسة، معلمة، ووالدة إحدى الطالبات، نرصد في هذا التقرير كيف غيّر الذكاء الاصطناعي شكل العملية التربوية في لبنان، وما بين التسهيل والتقليد، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل نعلّم أبناءنا التفكير… أم نتركهم يفكرون بالنيابة عنهم؟

 

حسين رباح: “من لا يستخدم الذكاء الاصطناعي، يعيش بأفكار محدودة”

الأستاذ حسين رباح، مدير ثانوية أجيال، ينظر إلى الذكاء الاصطناعي كضرورة لا مفرّ منها في عصرنا الحالي. يقول بثقة:

“رضينا أم لم نرضَ، نحن مجبرون على استخدام الذكاء الاصطناعي. الحياة اليوم أصبحت بمعظمها مرتبطة به، وهو يوفر علينا الكثير من الوقت والجهد.”

بالنسبة إليه، يشكّل الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير العملية التعليمية، لا تهديدًا لها. يرى أنه بات بديلاً عن الأستاذ الخصوصي في كثير من الأحيان، إذ يساعد الطلاب في المنزل على فهم المواد، ويشجع على الإبداع من خلال عمليات العصف الذهني وتنظيم الأفكار.

ضبط الاستخدام لا منعه

رغم حماسته تجاه الذكاء الاصطناعي، يحرص رباح على التأكيد أن “الضبط مطلوب”:

“نضع أسئلة تُلزم الطالب بإبداء الرأي والتفكير الذاتي. كما يعتمد المعلمون على اختبارات صفّية مباشرة، تمنع النقل أو اللجوء إلى أدوات الذكاء الاصطناعي.”

ويختم بقناعة واضحة:

“الحل ليس بحرمان الطالب من هذه الأدوات، بل بتثقيفه وتوجيهه. المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في ثقافة استخدامه.”

 

غفران شحيتلي: “الطلاب يسلّمون الواجبات بملاحظات تشات جي بي تي!”

على الجهة الأخرى، تنظر المعلمة غفران شحيتلي إلى المشهد من الزاوية الميدانية، حيث تُعاين تأثير الذكاء الاصطناعي داخل الصفوف وبين دفاتر الطلاب.

“المشكلة أنّ الطلاب يستخدمونه بشكل خاطئ. بدل أن يكون مساعدًا لهم، أصبح يحلّ مكانهم بالكامل. لا يقرؤون حتى الأجوبة التي يقدّمها، فقط ينسخونها كما هي.”

وتروي واقعة طريفة لكنها مقلقة في آن:

“أحد الطلاب قدّم لي الواجب مع ملاحظات (تشات جي بي تي)! لم ينتبه حتى لحذفها. وأنا أعرف طلابي جيدًا، وأستطيع التمييز بين أسلوبهم ومفردات الذكاء الاصطناعي.”

بين التقليد والفهم

لا تُخفي شحيتلي دعمها لاستخدام الذكاء الاصطناعي، شرط أن يكون الاستخدام مدروسًا:

“أنا مع تدريب الطلاب على كيفية الاستفادة منه، لا على الاعتماد الكلي عليه. مفردات الذكاء الاصطناعي تختلف عن أسلوب الطالب، وهذا ما يُسهل كشف الاعتماد الكامل عليه.”

ذ

المدرِّسة غفران شحيمي

مريم أيوب: “كان التدريس معاناة… اليوم أصبح أسهل بكثير”

بالنسبة للأهالي، يبدو الذكاء الاصطناعي وكأنه معلم خاص داخل البيت . السيدة مريم أيوب، والدة إحدى الطالبات، تشاركنا تجربتها الشخصية فتقول:

“معلوماتي محدودة، وكنت أجد صعوبة في تدريس ابنتي. اليوم، باستخدام الذكاء الاصطناعي، أصبحت العملية أسهل بكثير.”

تستعين مريم بهذه التقنية لتذكّرها بالمعلومات، وتوضّح:> “الذكاء الاصطناعي يشرح لي المفاهيم بطريقة مبسطة تناسب عمر ابنتي. لم أعد مضطرة للجوء إلى معلّمة خصوصية، لأن الأداة نفسها تشرح وتبسط وتوفّر الوقت.”

بين الحظر والإرشاد… ما الطريق الصحيح؟

تُظهر المقابلات الثلاث أن الذكاء الاصطناعي في المدارس ليس قضية تقنية فقط، بل تربوية بامتياز. فالاختلاف لا يدور حول وجود الأداة أو غيابها، بل حول كيفية إدارتها داخل البيئة التعليمية.

يبدو أن الخيار أمام المدارس ليس بين السماح والمنع، بل بين الفوضى والتنظيم،
وبين الاستخدام الواعي، والاستخدام العشوائي.
وتكمن المفارقة في أن الأداة ذاتها التي تُتّهم بإضعاف قدرات الطلاب، يمكنها في حال استخدامها الصحيح أن تُنمّي مهاراتهم، وتدفعهم للتفكير النقدي، والإبداع، والاستقلالية.

بين من يرى الذكاء الاصطناعي طريقًا إلى المستقبل، ومن يخشى تحوّله إلى “عقل بديل”، لا يمكن تجاهل حقيقة واحدة:
هذا القادم الجديد موجود بيننا بالفعل، والتحدّي الأكبر الآن هو أن نُحسن استخدامه… لا أن نغلق الأبواب بوجهه.

رنا شريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى