
صناعة السجاد اليدوي في لبنان… حرفة تواجه خطر الاندثار
مرسال نيوز | تموز 2025
تواجه صناعة السجاد اليدوي في لبنان تراجعًا حادًا، بعد أن كانت لعقود إحدى الحرف التقليدية النشطة في عدد من القرى اللبنانية، خصوصًا في البقاع، عكار، وراشيا. تراجع الطلب، ارتفاع كلفة المواد الأولية، غياب التسويق، وافتقار الدولة لسياسات داعمة، كلها عوامل أدت إلى شبه توقف الإنتاج في السنوات الأخيرة.
من الحقل إلى النول: مراحل الإنتاج
تبدأ صناعة السجاد اليدوي من جزّ صوف الأغنام، والذي يتم عادة في الربيع، ثم يُغسل الصوف ويُغزل يدويًا. تمرّ الخيوط بعد ذلك بمرحلة الصباغة باستخدام مواد نباتية أو صناعية، قبل أن تُستخدم على الأنوال الخشبية في عملية النسج. وتستغرق السجادة المتوسطة الحجم بين شهرين إلى أربعة أشهر من العمل المتواصل.
وفق الحرفيين، فإن كلفة إنتاج سجادة واحدة تتراوح بين 200 إلى 400 دولار بحسب الحجم ونوعية الصوف، بينما تباع في الأسواق المحلية بأسعار تتراوح بين 250 و600 دولار. ومع ذلك، لا يضمن الحرفي تصريف إنتاجه بسهولة.
تراجع الإنتاج بعد السبعينيات
بدأت الصناعة بالتراجع منذ سبعينيات القرن الماضي، مع انتشار السجاد الصناعي المستورد بأسعار أقل، وغياب آليات حماية للإنتاج المحلي. كما ساهمت الهجرة من القرى إلى المدن في فقدان المهارات اليدوية المرتبطة بهذه الحرفة.
تقول لينا شعيب مديرة التعاونية “قطعة من فن ” ، في مقابلة مع “مرسال نيوز”:
“نسبة كبيرة من الحرفيين الكبار توقّفوا عن العمل بسبب التقدّم في السن، بينما لا يوجد جيل جديد يتدرّب على المهنة. حاليًا لا يتجاوز عدد النساء العاملات في الحياكة اليدوية في قضاء راشيا 7 إلى 10 نساء.”
غياب سياسات التسويق والتشبيك
أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع هو غياب استراتيجية وطنية لتصريف الإنتاج. لا توجد أسواق دائمة أو منصات بيع إلكترونية خاصة بالسجاد اللبناني، ولا دعم رسمي للمشاركة في معارض محلية أو خارجية. الإنتاج المتبقي يُباع غالبًا من خلال العلاقات الشخصية أو صفحات فردية على مواقع التواصل.
توضح لينا شعيب أن التعاونية التي تديرها حاولت التسويق عبر معارض قروية صغيرة، لكن ضعف الإقبال وغياب التمويل المستدام جعلا من استمرار النشاط أمرًا صعبًا.
شهادات من الميدان
أم نزيهة، 67 عامًا، من بلدة جديدة، تعمل في هذه الحرفة منذ أكثر من خمسين عامًا. تقول لـ”مرسال نيوز”:
> “لم نعد ننتج كما في السابق. كنا نعمل كل السنة، اليوم بالكاد ننتج سجادتين أو ثلاث. الكلفة ارتفعت، ولا يوجد من يشتري. الصوف الطبيعي لم يعد متوفرًا كما كان، وحتى النول بات قطعة أثاث مهجورة في البيوت.”
وتشير إلى أن أغلب زميلاتها في القرية توقفن عن العمل بسبب ضعف البصر أو الأمراض المزمنة ، دون وجود من يتابع المهنة من الجيل الجديد.
هل من مبادرات لإنقاذ القطاع؟
رغم الواقع الصعب، ظهرت في بعض القرى مثل عرسال ودوما مبادرات فردية تهدف إلى تدريب الفتيات على الحياكة اليدوية وإحياء النماذج التراثية. كما حاول بعض المصممين اللبنانيين دمج الأنماط التقليدية في منتجات عصرية، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى خلق سوق مستقر أو تحريك الإنتاج بشكل فعّال.
في المقابل، تؤكد لينا شعيب أن “المبادرات غير كافية إذا لم ترافقها سياسات عامة تشمل الدعم التقني، التسويق، وضمان البيع بسعر مجدٍ اقتصاديًا للحرفي.”
التوصيات المطلوبة:
* دعم التعاونيّات والجمعيات الفاعلة في هذا المجال عبر تمويل ثابت.
* إنشاء منصات تسويق رقمية للحرف التقليدية اللبنانية.
* إدراج الحياكة اليدوية في برامج التدريب المهني الرسمية.
* تنظيم معارض محلية وخارجية مخصّصة للسجاد اليدوي اللبناني.
* تسهيل الوصول إلى الصوف المحلي بأسعار مدعومة.
تشكّل صناعة السجاد اليدوي جزءًا من التراث الحرفي في لبنان، لكنها مهددة بالزوال في ظل غياب الدعم المؤسسي والتسويق الفعّال. ما لم تتدخل الجهات الرسمية والمنظمات المعنية بالحرف التراثية لتوفير الحماية والتطوير، فإن هذه المهنة ستبقى محصورة في ذكريات من عاشوها، لا في واقع الإنتاج اللبناني.
رنا شريف