مقابلة مع الدكتور طلال عتريسي

الجندر مشروع لإعادة تشكيل القيم… والمناهج التربوية في مرمى الاستهداف
في ظلّ تصاعد الجدل حول مفهوم “الجندر” وتداخله مع القيم الاجتماعية والتربوية، يبرز كتاب “الجندر المخادع” للدكتور طلال عتريسي كصرخة فكرية تقرع ناقوس الخطر، وتدعو إلى تفكيك هذا المفهوم بعيدًا عن المسلّمات المتداولة. في هذا الكتاب، لا يكتفي الباحث والكاتب اللبناني المعروف بتحليل الظاهرة، بل يضعها في سياقها السياسي والثقافي والاجتماعي، محذّرًا من محاولات إعادة تشكيل المجتمعات عبر المناهج التربوية والمؤسسات القانونية.
موقع مرسال التقى الدكتور طلال عتريسي في حوار خاص تناول دوافع تأليف هذا الكتاب، وأبرز ما ورد فيه من أفكار، والمخاطر التي يراها محدقة بالمجتمع، كما تطرق الحديث إلى دور الإعلام، والمدرسة، والعائلة في مواجهة هذا المشروع الثقافي الوافد.
لماذا اخترتم تناول موضوع الجندر بالذات في أبحاثكم ومحاضراتكم؟
لأن موضوع الجندر لم يعد محصورًا في الأوساط الأكاديمية، بل تحوّل إلى قضية ضاغطة على المجتمع من خلال الجمعيات والمنظمات ومشاريع القوانين. وبما أنني أعمل في علم الاجتماع، كان لا بد من مقاربة هذا المفهوم الذي لم يبقَ نظريًا، بل بدأت محاولات إسقاطه على الأسرة والعلاقات الاجتماعية، في مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل البنية المجتمعية.
كيف ترون علاقة الجندر بالمواقف الغربية والضغط الثقافي العالمي؟
الجندر جزء من مسار غربي يقوم على قطيعة مع الدين وادعاء الحضارة والتقدم، بينما في الواقع يسعى لتفكيك القيم المجتمعية التقليدية. هذا المسار غيّر تركيبة الأسرة ودور المرأة، وأصبح يُستخدم كأداة لفرض النموذج الغربي على المجتمعات الأخرى، في محاولة لإظهار أن هذا النموذج هو الأرقى والأجدر بالاتباع.
تحدّثتم عن الجندر كمشروع سياسي أيضًا، كيف ذلك؟
في جوهره، الجندر بدأ كمشروع ثقافي، لكنه تحوّل لاحقًا إلى أداة سياسية، يتم من خلالها الضغط لتشريع الشذوذ وتغيير مفاهيم الأسرة. الهدف، كما أراه، مزدوج: تفكيك القيم المجتمعية من جهة، وفرض مركزية الفكر الغربي من جهة أخرى، بما يعزز التبعية ويضعف الهويات الثقافية الأخرى.
الجندر والمناهج الدراسية: مشروع ناعم لاختراق التربية
هل هناك محاولات فعلية لإدخال مفاهيم الجندر في المناهج الدراسية اللبنانية؟
نعم، هناك جهد مستمر منذ سنوات، تقوده منظمات وهيئات دولية، لمحاولة تمرير مفاهيم الجندر في مناهج التعليم. ورُصدت تغييرات رمزية في بعض الصور التعليمية، كمحاولة لتغيير الأدوار النمطية للمرأة والرجل، ضمن مشروع أوسع يعيد تشكيل وعي الطفل منذ الصغر، تحت شعار “تحرير المرأة”.
لكن أليست هذه التغييرات طبيعية في إطار التطوير التربوي؟
تطوير المناهج ضروري، لكن يجب أن يكون خاضعًا لمعايير واضحة تحترم ثقافتنا وقيمنا. المشكلة أن هذه التغييرات لا تأتي من داخل المجتمع، بل تُفرض من الخارج، وتستهدف الأسرة ككل وليس فقط المرأة. السؤال الذي يطرح نفسه: من يفكر بمستقبل الطفل أو الرجل حين يتم الحديث فقط عن “تمكين الفتيات”؟
كيف يتم الترويج لهذه المفاهيم؟
يتم الترويج عبر الإعلام والإعلانات وحتى الحسومات والمنح. هناك كورسات تُقدَّم بأسعار رمزية أو مجانًا تحت عناوين الجندر. وأتساءل: هل رأينا ترويجًا مشابهًا للديمقراطية أو العدالة الاجتماعية؟ لماذا هذا التركيز فقط على الجندر؟ من يثق بأفكاره لا يحتاج إلى هذا الكم من الإغراءات لإقناع الناس بها.
ما هو دور الدولة اللبنانية ووزارة التربية بالتحديد؟
للأسف، بعض الوزارات أظهرت ضعفًا أمام العروض الدولية التي تُقدّم مغريات مالية وتقنية لتطوير المناهج. لكن السؤال الأهم: لماذا تُخصَّص هذه العروض تحديدًا للمناهج؟ أين الدعم لباقي القطاعات التعليمية؟ ومع ذلك، هناك بارقة أمل. فقد قامت بعض اللجان التربوية في الفترة الأخيرة برفض هذه التعديلات ووقف محاولات إدخال الجندر.
ما المطلوب من وزارة التربية اليوم؟
تقع على وزارة التربية مسؤولية أساسية في مراقبة كل تعديل في المناهج، خصوصًا تلك التي تمس القيم. يجب أن يُعاد النظر بكل ما يُطرح، وأن تخضع هذه المشاريع لرقابة صارمة. لا مانع من تطوير المناهج، لكن التطوير الحقيقي هو الذي يخدم المجتمع، لا الذي يفرض عليه نموذجًا غريبًا عنه.
رنا شريف