قضايا منوّعة

ساحة خفيّة للحرب: كيف يستغلّ العدو الإسرائيلي تطبيقات المواعدة؟

ساحة خفيّة للحرب: كيف يستغلّ العدو الإسرائيلي تطبيقات المواعدة؟

مع تزايُد اعتماد الناس على تطبيقات المواعدة للتّواصل وتكوين العلاقات، تسلّلت خيوط السياسة والاستخبارات إلى هذه المساحات الشخصية، لتُحوّلها من منصّات تعارُف، إلى أدوات تجسّس وجمع معلومات. وُجّهت اتّهامات لعدد من الدّول في هذا المجال من ضمنها الكيان الإسرائيلي، على اعتبار أنّ بعض الجهات قامت بتطوير أدوات رقمية واستخبارية للتجسُّس واستغلال هذه التطبيقات في عملياتها الأمنية، خاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومحيطها منها لُبنان.

تجسّس تحت ستار “المواعدة”
وفق صحيفتي الجزيرة والمنار، كشفت مصادر أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، سواء من خلال الوحدات مثل “الوحدة 8200” أو عبر فرق سيبرانية خاصة، تَستخدم حسابات وهمية على تطبيقات المواعدة مثل Tinder، Grindr ، وFacebook Dating.
والهدف التّقرّب من أفراد صُنّفوا ك “أهدافًا أمنية”. تُدار هذه الحسابات بذكاء تقني وعاطفي لجذب الانتباه، ثم تستدرِج المُستخدِم لمشاركة معلومات حسّاسة، أو للنّقر على روابط مشبوهة تزرع برمجيات تجسس داخل الهاتف.

من العاطفة إلى التورُّط: كيف يُصنَع العميل؟
الأسماء مستعارة واللّغات متعددة، لكن الرسالة واحدة: العدوّ حاضر هنا، يبتسم ويقول: “أهلاً، هل نتحادث؟”
تنطلق العمليّة في أغلب الأحيان بعلاقة تبدو إنسانية وعاطفيّة في ظاهرِها. ويمكن لأي شخص يعيش في منطقة حدودية، أن يلجأ إلى هذه التطبيقات بحثًا عن تواصل بشري. ولكن مع غياب التوعية، وعدم فهم ما تعنيه هذه النوافذ المفتوحة على العدو، يصبح الاحتمال واقعًا وخطيرًا.
عن طريق محادثة عادية تبدأ بجملة بسيطة، تُجمّع معلومات بتسلسل ودقة: أين تسكن؟ هل من نشاطات في منطقتك؟ من هم أصدقاؤك؟ هل تلاحظ وجود حواجز؟ من أين تمر السيارات؟ ثم يبدأ الانزلاق التدريجي: عروض للمساعدة، إغراء بالمال، وتصِل أحيانًا حتى إلى ابتزاز بمعلومات تمّ تسريبِها عبر المحادثات. إنها عمليّة استغلال مُحكمة تستخدِم نقاط الضعف في الفرد، وتحوّلها إلى أدوات تعاون غير مباشر مع العدو. دون أن ننسى أنّه بالإمكان تجاوز حظر الشبكات بسهولة مع استخدام ال VPN.
وهو عبارة عن شبكة خاصة افتراضية للقيام بمكالمة آمنة ومشفّرة ما يجعل البيانات غير قابلة للقراءة من قبَل أي مصدر خارجي.
لا يُستبعد في هذه السياقات الوقوع في الفخّ، ونقل المُحادثة لاحقًا من التطبيق إلى وسائل أخرى أكثر أماناً: محادثات مشفّرة على تطبيقات بديلة، تحويل أموال على دفعات صغيرة، أو حتى لقاءات ميدانية مدبّرة بعناية. قد يبدو الموضوع نظريًا للبعض، لكِن في الحقيقة هو استراتيجيّة متبعة خلال الحروب الحديثة، تُستخدم في أماكن كثيرة حول العالم، ولبنان ليس استثناءًا.

فجوة تقنيّة وغياب الحراسة
للأسف لا قوانين ولا قيود تمنع الأشخاص من استخدام تلك التّطبيقات، وتتضاعف حدّة هذه المشكلة مع غياب التّوعية وحملات التحذير. وعلى الرُّغم من خطورة هذا الأمر، لا رقابة في لبنان على هذه التطبيقات ولا أدوات رقميّة لمُراقبتِها. ما يحصُل اليوم ليس مجرّد نشاط افتراضي مشبوه، بل هو تطبيق عملي لحرب ناعمة يستخدم فيها العدو أدوات ذكية، تستغل فجوات قانونية وأمنية واجتماعية.
وهذه الحرب لا تُخاض بالجيش وحدَهُ، بل تحتاج إلى شبكة حماية وطنيّة مُتكاملة: وعي مُجتمعي، دورات تدريبية، توجيه شبابي، رقابة إلكترونيّة، وتَشريعات حديثة تواكب سُرعة هذا التطور.

نور طبّارة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى