أحدث الأخبارقضايا منوّعة
الركام يرحل… والكارثة تبقى: إزالة أنقاض الضاحية بعد عدوان 2024 بين العجلة واللامسؤولية

على امتداد شوارع الغبيري، حارة حريك، وبئر العبد، لم تكن الحياة قد عادت كما يُشاع. صحيح أن الجرافات أنهت مهمتها الظاهرة، لكن ما جرفته لم يكن سوى القشرة. فبعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الضاحية الجنوبية في تشرين الثاني 2024، تكدّست أطنان من الأنقاض في الأحياء السكنية، واختفى معها الإحساس بالأمان، ليبدأ فصل جديد من الأزمة: ماذا جرى للركام؟ وأين نُقل؟ ومن يتحمّل الكلفة الصحية والبيئية لما تُرك خلفه؟
تلزيم سريع… وعمل “على الحامي”
بحسب رئيس اتحاد بلديات الضاحية تحدّث لـنا ، فإن عمليات إزالة الركام بدأت بعد أيام قليلة من وقف القصف، بتكليف شركات خاصة تمتلك القدرة اللوجستية على التعامل مع الوضع الطارئ.
حجم الدمار بالضاحية بعد العدوان الاسرائيلي الاخير هو حجم مهول وليس هناك رقم واضح ولكن الارقام في تزايد الابنية والوحدات السكنية المدمرة و البنى التحتية من شبكات كهرباء ومياه وطرق. “كان الهدف الأول هو فتح الطرق وتأمين مرور سيارات الإسعاف والدفاع المدني، ثم انتقلنا إلى الأبنية السكنية المتضررة كلياً”، يشرح رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية المهندس محمد درغام، مشيرًا إلى أن التنسيق تم مع اتحاد بلديات الضاحية، لكن دون خطة مركزية على مستوى الدولةوقد أكد رئيس الاتحاد أن مبلغا بما يعادل عشرة مليون دولار كسلفة خزينة لصالح اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية من قبل الحكومةاللبنانية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الرئيس السابق وذلك لازالة الردم ليس هناك اي مبالغ اخرى بحسب قوله.
إن إزالة الركام مستمر على قدم وساق من الانبة المتهدمة كليا و جزئيا من قبل اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية وليس من قبل الدولة والجهات الرسمية التي تقاصعت،أولا على مستوى البنية التحتية وثانيا إعادة الإعمار،ولكن جهات أخرى تطوعت مشكورة في المتابعة و هي شركة آرش و معمار وجهاد البناء التابعين لقوى سياسية معروفة ،وخلال ثلاثة اشهر نحن كإتحاد بلديات الضاحية سنكون قد أنجزنا ملف إزالة الركام كجزء أولي،مع العلم أن التلزيم لهذا المشروع جاء لصالح شركة خطيب وعلمي كُلفت من قبل الهيئة العليا للإغاثة بمتابعة الموضوع ومن خلال مجلس الوزارء ولسنا نحن المكلفين ولكن لم ينجز شيء من قبلهم حتى الآن إلّا أن هذا التلزيم السريع طرح علامات استفهام. فبحسب رئيس اتحاد بلديات الضاحية، فإن أعمال الإزالة خضعت لاستعجال سياسي أكثر من كونها استجابت لمعايير هندسية واضحة.
نحن ننقل الردم و نزيل الركام ،مع العلم أن خلال الغزالة هناك مواد ترفع مثل الحديد و الألمينيوم مع العلم أن مجلس الوزراء أناط بكل شيء يخرج من الركام كحديد و المينيوم و غيره للمقاول فهذه التكلفة إذا أضيف إليها أسعار رفع هذه المواد التي سيأخذها المقاول و هو شركة بنيان فهذا يتركنا أمام عمليات حسابية مختلفة إذا أضفنا سعر المواد مثل الحديد و الالمينيوم و غيرها نخرج بسعر اخر تماما وهذا له كلفة وليس ب ثلاثة دولار و خمسة وستون سنت فقط يزال الركام و هذا السؤال يجب أن يوجه للجهة المسؤولة،و أما بالنسبة للركام والردم يمكن إعادة تدويره الإستفادة منه كما في كل بلاد العالم،تستطيع الدولة أن تحضر دراسة و هذه الأمور لها كلفتها ومختصيها بحسب قول رئيس الاتحاد “الردم لم يُفرز، ولم تُفصل النفايات الصناعية أو البلاستيكية عن بقايا الباطون والحجر. لا توجد دراسة تقييم أضرار شاملة حتى اللحظة”، يقول نجم، مشيرًا إلى أن المعالجة الإنشائية للمنطقة يجب أن تبدأ من فحص التربة تحت الأنقاض، لا من رفعها فقط
أين ذهب الركام؟ سؤال بلا جواب واضح
خلال جولة على أطراف حي السلّم والمريجة، صوّر مراسلنا نقاطًا عشوائية تم فيها تجميع الركام على جوانب الطرق، وبعضه جرى ردمه في مناطق ترابية قريبة من النهر الصناعي أو خلف المباني العامة.
لكن الخطر هنا ليس في المشهد، بل في التركيبة.
يقول الباحث والخبير البيئي الدكتور منير قبلان أن الأنقاض الناتجة عن القصف ليست مجرد حجارة، بل تحتوي على بقايا وقود، مواد عازلة، ألياف زجاجية، أسلاك محروقة، وبلاستيك محترق.
ينص القانون اللبناني على عزل الأماكن التي يرفع منها الركام عن المحيط لعدم تسرب المواد السامة و الابخرة الخطرةو ،و المواد الصلبة التي تخرج من اماكن الردم يجب أن تذهب إلى أماكن للمعالجة و هذا وشيء مهم فرز المواد بحسب نوعيتها “إذا لم تُفرز هذه المواد، فإن طمرها في التربة يؤدي إلى تسرّب السموم للمياه الجوفية، أو تفاعلها مع حرارة الصيف لتنتج مركّبات سامة في الهواء”، يحذر قبلان، مشيرًا إلى أن لبنان يفتقر أصلًا لمطامر آمنة لمثل هذا النوع من النفايات الإنشائية.
بين الجدار والسماء: سكان بلا سقف
قرب بئر العبد، يجلس الشاب محمد أمام ما تبقّى من بيته. غرفة واحدة نجت من الدمار، لكن السقف متصدّع والجدران مليئة بالتشققات.
يقول محمد أن لديه ذكريات في هذا المنزل الذي قصف من قبل العدو،فهنا أكلت و هنا صليت و هنا حضنت ولدي وهناك جلست مع رفاقي و في تلك الزاوية ضحكت مع عائلتي “جاؤوا ورفعوا الركام، لكن ما رجّعوا شي. وقد تم وعدنا بإن المساعدات قادمة من قبل الدولة و الهيئة العليا للإغاثة بس ما إجا حدا ،نحن الآن قمنا بترميم غرفة من منزلي المهد المؤلف من اربع غرف و وضعت فيه تختا وأريكة للجلوس وقد ساعدني في إنجاز هذا،المساعدة المالية من قبل جهات سياسية مثل معمار و القرض الحسن وقد دفعوا لي بدل إيواء لمدة خمسة أشهر و بدل أثاث منزل وقد كشف المهندسين من معمار و جهاد البناء عدة مرات على المبنى و هم من أعطونا التقييم لوضعه الحالي ،ولكن الدولة لم نر منهم أحدا”، يقول هذا و قد خنقته العبرة بفقدان منزله و ضياع الأماكن التي سجلت سنين حياته و ذكرياته من الطفولة إلى أن أصبح شابا.
يشاركه الحاج محمد حيدر ، وهو مختار حيّ المريجة، الشعور ذاته:
(هيدا تاريخ بني صهيون وهو معروف وليس جديدا منذ سنة 1967 ولحد الآن هذا هو نموذج ما تريد إسرائيل وتقول انها تريد السلام ونحن لا يهمنا البناء و غيره والماديات المهم الكرامة و العزة و الراس المرفوع لان في حال كانت هذه الامور بخير فنحن بخير ونستطيع ان نبني مجددا”رفعوا الركام وراحوا. ما في تعويض، ولا دعم، ولا حتى لائحة واضحة بالأضرار. والكارثة إنه كل شي تكسّر من دون ما نعرف إذا رح يرجع”.